حِلْيَةُ الذَّكىّْ
في حُكْمِ
زَكَاةِ الحُلىّْ
كتبه
أبوسفيان
عمرو أحمد عبدالسلام سادات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبىّ
الأمين "صلى الله عليه وسلم"ورضى الله عن الصحابة أجمعين، والتابعين لهم
بإحسان إلى يوم الدين
أمـا بعـــد:
فهذا جزء فى زكاة الحُلى سميته
" حليةُ الذكىّ "
نفع الله به، وجعله حلية لقارئه
وكاتبه؛ وَسَمْتُه بالاختصار غير المخل مع الاقتصار على أصل المسألة رجاء إصابة
المحل ؛ محاولاً خرق حجابها، وإلا فقد دققت بابها؛ فإن وفقت فبفضل الله عزوجل وإن
كانت الأخرى فنسأل اللهَ الغفوَر الغفرانَ، وقد جاءت فى أربعةِ مباحثَ متشابكةٍ
مترابطةٍ كأنها عقد جُمان.
والله المستعان، ولاحول، ولاقوة
الا بالله العلى العظيم، وصلى الله على النبى الكريم وأله وصحبه أجمعين، والحمد
لله رب العالمين.
المبحث اللغوىّ:
ــــــــ
الزكاة : من زكا يزكو
زكاة وزكاء , وزكى ماله تزكية ,
أدى عنه زكاته , وزكى نفسه مدحها
وقوله تعالى " وتزكيهم بها
" قالوا تطهرهم بها ؛ وتزكى : تصدق
وزكا الزرع يزكو زكاء: نما " أ.ه ( مختار الصحاح " ولسان العرب
)
فالزكاة فى اللغة تدور على معنيين
( الطهر , والنماء )
قال شيخ الاسلام " ولفظ
الزكاة فى اللغة يدل على النمو والزرع يقال فيه زكا : إذا نما , ولا ينمو إلا إذا
خلص من الدغل – وهو ما يدخل فى الأمر فيفسده – فلهذا كانت هذه اللفظة فى الشريعة
تدل على الطهارة – قال تعالى " قد أفلح من زكاها " وقال تعالى "وقد
أفلح من تزكى " نفس المتصدق تزكو وماله يزكو ,يطهر ويزيد فى المعنى " أ.ه ( مجموع الفتاوى
25 \ 8 )
الحُلِى :- مفرده حَلْى , والحَلْى حَلْى المرأة.
وهو ما تزين به من مصوغ المعدنيـات
والحجارة
قال الشاعر:
كأنها من حسن وشارةْ والحَلى
حَلى التبرِ والحجارةْ
( انظر المخصص – حلى النساء –لسان
العرب وغيرهما )
الفوائد :
ــــــــــ
يستفاد مما سبق :
(1) أن الزكاة لا تُنقص المال لأنها نماء وزيادة
قال تعالى " وما أنفقتم من شئٍ فهو يخلفه "[ سبأ : 39 ]
وقال النبى صلى الله عليه وسلم
" لا ينقص مال من صدقة " رواه أحمد والترمذيّ وقال حسن صحيح "وفيه ردٌّ على من قال أن الزكاة
تُفْنِى أو تَأْكُل الحلى.
(2) فيه أنها ـ أي الزكاة ـ طهارة
له ـ أي الحلي ـ مما يفسده أو يفسد نفسَ صاحبته وحفظ النفس والمال من الضروريات الخمس."
(3) قوله " لاينمو إلا إذا
خلص من الدغل " فيه أن الحلى يزكى ولوكان محرما كالذي يتحلى به الذكران ونحوذلك.
ـ وفيه أن الحلي يُحْرَم نماؤه
وطهارته لدغله وحرمته.
(4) وإذا كانت زكاته طهارة وزيادة ؛
ففيه:
الحث على التقلل من زينة الحياة
الدنيا ومما أهلكهن – أى الأحمران – وعند عبدالرزاق فى مصنفه (7050) عن ابن طاووس عن أبيه
قال " ………وإنها لسفيهة إن
تحلت بما تجب فيه الزكاة " ا.هـ
(5) وفيه أن الحلى يشمل الذهب
والفضة وغيرهما، وعليه فذكرالحليفى الآثار لايدل على عدم التزكية إذ ربما المراد
غير الذهب والفضة أو مخلوطاً بهما بحيث لا يبلغ النصاب، وعليه فلا يكون قولهم
" لها أوعنده حلى لا يزكيه " ونحوه فى لب مسألتنا . والله أعلم وهذا مهم
جداً سنحتاج إليه بعد . والله المستعان
المبحث الأصولىّ:
ــــــــــــــــ
ولما كانت المسألة فى أصل نزاعها
لكثرة الآثار فيها مع الاختلاف عن الصحابة كان لابد من معرفة قول الصحابىّ ،ومع
الاختلاف كيف يكون الترجيح ؟
وقبل كل شى لابد من معرفة أن إجماع
الصحابة لا خلاف فيه بين أهل العلم أى من جهة حجيته بل بعضهم لم يجعل فى غيره
إجماعًا وهو مذهب الظاهرية وإحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله تعالى وهو ظاهر كلام
ابن حبان فى صحيحه ."قاله الزركشى فى البحر المحيط
(4/282)"
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى (13/341)
" :
ولايعلم إجماع بالمعنى الصحيح
إلاما كان فى عصر الصحابة أما بعدهم فقد تعذر غالباً "ا.هـ
قول الصحابى :
ــــــــــ
وقد فصّل القول ابن القيم رحمه
الله تعالى فى إعلام الموقعين وأسهب فى أدلة حجيته فراجعه (5/546) تحقيق مشهور حسن
فإن نقله هنا يطول . ويكفينا فى ذلك ما يأتى:
قال شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى 20/12) :
"فصلٌ :وأما أقوال الصحابة فإن
انتشرت ولم تنكر فى زمانهم فهى حجة عند جماهير العلماء ...وإن قال بعضهم قولاً ولم
يقل بعضهم بخلافه ولم ينتشر فهذا فيه نزاع وجمهور العلماء يحتجون به كأبى حنيفةَ
ومالكٍ وأحمدَ فى المشهور عنه والشافعىِّ فى أحد قوليه وفى كتبه الجديدة الاحتجاج
مثل ذلك فى غير موضع ولكن من الناس من يقول هذا هو القول القديم "ا.هـ
قلت لعله والله أعلم يريد الجوينى
قال فى الورقات : " وقول الواحد من الصحابة ليس بحجة على غيره على القول
الجديد " ا.ه
قلت بل الثابت عنه خلافه كما قال
شيخ الاسلام ففى الرسالة " صــ564,565 " :
1807- قال أفرأيت إذا قال الواحد
منهم – أى الصحابة – القول لايحفظ عن غيره منهم فيه موافقةً ولاخلافاً أتجد لك حجة
باتباعه فى كتاب أوسنة أو أمر أجمع الناس عليه فيكون من الأسباب التى قلت بها
خبراً ؟
1808 – قلت له ما وجدنا فى هذا
كتاباً ولاسنة ثابتة ولقد وجدنا أهل العلم يأخذون بقول واحدهم مرة ويتركونه أخرى
ويتفرقوا([1])
فى بعض ما أخذوا به منهم .
1809- قال فإلى أى شى صرت من هذا ؟
1810- قلت إلى اتباع قولِ واحدٍ إذا
لم أجد كتاباً ولاسنة ولا إجماعاً ولا شيئاً فى معناه يحكم له بحكمه أو وُجد فيه
قياس .................." ا.هـ
قلت والنص ظاهر فى الصيرورة منه إلى
قول الصحابى إذا لم يجد كتاباً ولا سنة ولا إجماعاً ولا شيئاً فى معنى قول هذا
الصحابى يؤيده ويعضده وإذا وُجِد القياس؛ قدم عليه قول الصحابى قلت وهو مذهب أحمد
رحمه الله غير أن هذا مشروط بشروط .
قال الشيخ مشهور حفظه الله –
التحقيقات ..ص435 "ونقول إن قول الصحابى الذى لم يعرف عنه الأخذ عن أهل
الكتاب فيما ليس من الرأى وإنما هو من الغيب؛ حكمه حكم المرفوع إلى النبى صلى الله
عليه وسلم وإن لم يصرح هذا الصحابى بنسبة هذا القول للنبى صلى الله عليه وسلم
..........." ا.هـ
أقاويل الصحابة :
ـــــــــ
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ( مجموع الفتاوى 20/12) :
" وما تنازعوا فيه رُدَّ إلى
الله والرسول ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء
......" ا.هـ
قال الشافعىّ - فى ذلك - (الرسالة صـ564) 1806-:
فقلت نصير منها – أى أقاويل الصحابة – إلى
ماوافق الكتاب والسنة أو الإجماع أو كان أصح فى القياس"ا.هـ
قلت وفيه قوله تعالى "....فإن
تنازعتم فى شى فردوه الى الله والرسول .........." الآية.
والسؤال هو:
هل يرجح بين أقوال الصحابة حال
التنازع ؟
قال ابن القيم فى إعلام الموقعين 5/546) :
إذا قال الصحابى قولاً ؛ فإما أن
يخالفه صحابى أخر، أو لا يخالفه فإن خالفه مثله؛ لم يكن قول أحدهما حجة على الآخر؛
وإن خالفه أعلم منه؛كما إذا خالف الخلفاءُ الراشدون – أو بعضُهم – غيرَهم من
الصحابة فى حكم، فهل يكون الشق الذى فيه الخلفاء الراشدون – أو بعضهم – حجة على
الأخرين؟
فيه قولان للعلماء ، وهما روايتان
عن الإمام أحمد والصحيح أن الشق الذى فيه الخلفاء الراشدون – أو بعضهم أرجح وأولى
أن يؤخذ به -...." ا.هـ
قلت هذا إجمالاً وإلا فقد تكون
هناك فى الحادثة الواحدة من القرائن ما يرجح قول بعض أزواج النبى صلى الله عليه
وسلم مثلاً لأن المسألة خاصة بأبيات النبى صلى الله عليه وسلم – ونحو ذلك والله
أعلم .
الفوائد :
ــــــــ
يستفاد مما سبق :
(1)أن إجماع الصحابة حجة باتفاق وهم
لا يجتمعون على ضلالة , بل الأمة لا تجتمع على ضلالة كما قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم. والحمد لله رب العالمين.
(2) أن قول الصحابى حجة إذا لم يكن
ثَمَّة من يخالفه منهم وأن يكون الأمر ليس مما يدرك بالاجتهاد وأن يكون غير معروف
بالأخذ عن أهل الكتاب.
(3) عند تعارض أقوال الصحابة يرد
الأمر إلى الكتاب والسنة وهو المراد هاهنا، فإن فى المسألة كثير من الآثار عن
الصحابة ما بين مزكٍّ وغير مزكٍّ , بل ومن نُقل عنه كلاهما!.
فقد نقل عن جابر وعائشة وابن عمر
وأسماء بنت أبى بكر وأنس بن مالك عدم زكاته – أى الحلى –.
وقال بزكاته عمر وأنس وابن عمرو
وابن مسعود وعائشة وابن عباس وابن عمر وغيرهم.
" انظر الآثار في مصنفيّ
عبدالرزاق وابن أبي شيبة"
فلوقلنا بالتكافؤ مع المعارضة وأسقطناها
جميعاً ورجعنا إلى الكتاب والسنة ؛ فإن لم نجد فى السنة نصاً ـ عند من لم يصحح أو
يحسن ما جاء فى الباب ـ وجدنا العمومات فى الكتاب والسنة وأن الأصل فى الذهب
والفضة الزكاة. كما فعل ابن حزم رحمه الله.
بل يكاد يكون هذا التكافؤ أيضاً فى
التابعين ثم من بعدهم حتى فى المذاهب المتبعة !.
فقد قال بالوجوب أبوحنيفة والشافعى
فى القديم ورواية عن أحمد، وقال بعدمه مالك والشافعى فى الجديد ورواية عن أحمد .
هذا مع التنزل وادعاء التكافؤ وإلا فلا تكافؤ.
للأتى :
(1)/ القائلــين بالزكاة أكثر
عدداً.
(2) وفيهم خليفة راشد وهو عمر رضى
الله عنه وفضلاً عن مكانته فى الدين وقربه من النبى الأمين صلى الله عليه وسلم فهو
أمير المؤمنين وله سلطان وكلمته منتشرة مشتهرة فضلاً عن اجتماع الكلمة عليه بخلاف
من جاء بعده رضى الله عنهم .
(3) أن من روى عنه عدم الزكاة –
اللفظ مجمل ومحتمل ، وما تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال.
( راجع المبحث اللغوى ) "فلفظ
"الحلى" يشمل الذهب والفضة وغيرهما!!.
فقد يراد بالحلى غير الذهب والفضة
أو يشمل الذهب والفضة وغيرهما فلا يبلغان النصاب أو نحو ذلك مما يكون راجعاً إلى
نظر الصحابى نفسه كأن يرى عدم تزكية مال اليتيم ونحو ذلك والله أعلم .
يشهد لهذا ما جاء عند عبدالرزاق
(7052) عن الثورىّ عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة كانت تحلى بنات أخيها
بالذهب"واللؤلؤ"(قوله"اللؤلؤ"فيه
أنه ليس مما يزكى).
فلا تزكيه وكان حليهن يومئذ
"يسيراً " ا.هـ
("يسيراً"فيه أنه لم
يبلغ النصاب،والله أعلم.)
ومن تأمل ذلك فى النصوص وجده بفضل
الله والله الموفق.
(4) أضف إلى ذلك أن هذا القول
موافق لعمومات الشريعة .
(انظر كلام الشافعى فى الرسالة –
وقد سبق معنا فى المبحث الأصولىّ ).
ومع ذلك فلو سلمنا بالتكافؤ , فيجب
الرد إلى الكتاب والسنة , وفضلا عن العمومات هناك ما جاء نصاً فى الباب.
المبحث الحديثى:
ــــــــــــــ
فمدار الباب على حديث عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده أن امرأة أتت – النبىّ صلى الله عليه وسلم – ومعها ابنة لها وفى يد
ابنتها مسكتان غليظتان([2]) من ذهب فقال لها أتعطين زكاة هذا ؟
قالت لا قال : أيسرُّك أن يسورَك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار ؟ قال :
فخلعتهما , فألقتهما إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم وقالت هما لله عز وجل ولرسوله
"
يروه عن عمرو بن شعيب :
1/ عبدالله بن لهيعة. 2/ المثنى بن الصباح.
3/الحجاج بن أرطاة . 4/ الحسين بن ذكوان المعلم .
/أما ابن لهيعة فهو ضعيف ,ولم يسمع
من عمرو بن شعيب ومن أثبت له سماع ففى الجملة أي: أحاديث قلائل، وأما ما يصرح به سماعاً
فليس تدليساً , إذ التدليس يشترط فيه قصد الإيهام أما هذا ونحوه فهو يهم ويخطىء.
قال أحمد بن حنبل :كتب عن المثنى
بن الصباح عن عمرو بن شعيب ،وكان بعد يحدث بها عن عمرو بن شعيب ا.هـ
(انظره وغيره من كلام العلماء
فيه,انظر ترجمته فى تهذيب الكمال , وتهذيب التهذيب)
وعليه فيكون الحديث من الطريقين
مرجعه إلى المثنى بن الصباح وحاله معروفة قال أحمد :لا يساوى حديثه شيئاً , مضطرب
الحديث " (تهذيب التهذيب)
قلت لذا ضعفه الترمذىّ إذ أخرجه من
طريقيهما.
ـ وأما الحجاج بن أرطاة , قال ابن
المبارك كان الحجاج يدلس فكان يحدثنا بالحديث عن عمرو بن شعيب مما يحدثه العرزمىّ ,والعرزمى متروك " انظر السابق".
فلا نأمن أن يكون أسقط العرزمىّ ها
هنا .
فلم يبق إلا الحسين بن ذكوان
المعلم وهو ثقة غير مدلس (انظر ترجمته في التهذيبَيْنِ ) فطريقه صحيحة وليس فى حاجة إلى ما سبق من الطرق , وإلا
فهى متابعات صحيحة , إذ إن هؤلاء الضعفاء ممن يكتب حديثهم , وقد تبين من الطريق
الصحيحة أنهم أصابوا ولم يخطئوا!.
بل للحديث شواهد أخرى , فقد أخرج
أبوداود -1561- عن أم سلمة قالت :كنت ألبس أوضاحاً من ذهب فقلت :يارسول الله أكنز
هو ؟ فقال ما بلغ أن تؤدى ([3]) زكاته فزكى فليس بكنز " ا.هـ
ورواه أيضاً الدارقطنىّ والبيهقىّ
, وفيه عتاب بن بشير وهو صدوق يخطىء ,يصلح فى الشواهد والمتابعات.
وأخرج أبوداود أيضا -1562- عن
عائشة قالت :دخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى فى يدي فتخات من ورق فقال
ما هذا ياعائشة ؟! فقلت :صنعتهن أتزين لك يارسول الله . قال : أتؤدين زكاتهن ؟ قلت
لا، أو ما شاء الله قال هو حسبك من النار" الحديث .
أخرجه الحاكم وصححه وقال على
شرطهما ولم يخرجاه وصححه الذهبىّ وأخرجه
الدارقطنىّ والبيهقىّ وغيرهم.
وهناك شواهد أخرى فى المسند منها
عن أسماء بنت يزيد قالت:دخلت أنا وخالتي على النبىّ صلى الله عليه وسلم وعلينا
أسورة من ذهب , فقال لنا أتعطيان زكاته ؟ قالت :فقلنا لا ,قال : أما تخافان أن
يسوركما الله أسورة من نار ؟ أديا زكاته " الحديث
قال الهيثميّ رواه أحمد وإسناده
حسن ([4]).
بل ويشهد له الآثار التي جاءت عن
الصحابة ممن قال بالوجوب , فضلاً عن نصوص القرآن والسنة فى زكاة الذهب والفضة
والله أعلم .
وانظر فيما سبق عون المعبود 3/272
وما بعدها وتحفة الاحوذىّ 3/31 وما بعدها
وغيرهما .
وقد صحح الحديث جمهرة من أهل العلم
منهم :الحاكم وابن القطان والذهبيّ والزيلعيّ والبيهقيّ وابن الملقن والمنذريّ
وابن حجر والألبانى والارنؤوط وغيرهم.
وانظر تلخيص الحبير , ونصب الراية
وغيرهما(وهو ظاهر فعل أبى داود لمن تأمل ترجمته للباب : قال : باب الكنز ما هو
وزكاة الحلي ثم فسر ذلك بما رواه .فضلاً عن سكوته , والله أعلم)
المبحث الفقهى :
ـــــــــــ
ذكر شيخنا أبوعمر حسن بن عبد
الستير –حفظه الله – ومن قبله الشيخ العلامة ابن عثيمين –رحمه الله – أن فى
المسألة خمسة أقوال كما في (الشرح الممتع 2/545).
قلت وإن كانت ترجع إلى قولين هما
الوجوب وعدمه .
فبعضها لا يصح إلى قائله كالقول
بزكاته سنة واحدة .
رُوى عن أنس بن مالك رضى الله عنه
عند ابن أبى شيبة -10161- وعند البيهقيّ فى معرفة السنن والآثار -2500- بسنده إلى
سعيد عن قتادة عن أنس فى الحلي فقال إذا كان يعار ويلبس فإنه يزكى مرة واحدة
"
قلت عند ابن أبى شيبة بدون إذا كان
يعار ويلبس" وعلى كلٍّ فقتادة لم يسمع من صحابي سوى أنس , وهو مدلس وقد عنعن ولو
سمع لصاح به !! .
(1) ثم إن أنس خالف الأعلم والأكثر
(راجع المبحث الأصولي )
(2) ثم الزكاة فريضة معلقة بسبب هو
النصاب , فإذا وُجد السبب وُجدت الزكاة , فهى متكررة كل عام إذا بلغت النصاب , إذًا
فهو قول مخالف للمتقرر , فإذا أثبتها لزمه إثباتها كل عام – بشروطها – هذا والقول
لم يصح أصلاً إلى أنس –رضى الله عنه. والله أعلم ارجع إلى تفصيل شيخنا فى شرحه لمتن
الدرر البهية,وإلى الشرح الممتع .
المذهب الثانى :
زكاته عاريته
رواه ابن أبى شيبة عن جابر , ورواه
البيهقيّ عن ابن عمر . فأما جابر فالثابت عنه أنها لا زكاة فيها فلو صح هذا (ولم
تكن شاذة) – أى: أنه زكاته عاريته – فيكون
مراده أنها لا زكاة فيها ولكن إعارته تقوم مقام الزكاة.
يشهد لهذا أنه لا يُعرف لا شرعاً ولا لغةً أن
العارية زكاة .(ذكره شيخنا أبو عمر ).
فضلاً عن أنه ليس للزكاة بديل
,وإنما هو الزكاة أو عدمها .
وأما ابن عمر فروى عنه :أنه فيه
الزكاة وروى عنه أنه لم يكن يزكى حلى بناته([5]). .
قلت وقوله مقدم على فعله لأسباب منها
:
ـ أن الحلى كما قلنا يشمل الذهب وغيره فربما لم
يزكِ لذلك أو غيره .
ـ ثم إن قوله بزكاته موافق للكتاب
والسنة ولغيره من الصحابة وكفى بعمر رضى الله عنه وهو أبوه.
أما قوله عند البيهقيّ -7801- : زكاة
الحلى عاريته"
ففيه كامل بن العلاء التميميّ
الكوفيّ قال الحافظ (فى التقريب ) صدوق يخطىء , قال أبو معاذ في (علوم الحديث لابن
الصلاح ونكت العراقى وابن حجر -3/37-وما بعدها ):
" ولعل ابن حجر رحمه الله حيث
يصف هذا الضرب من الرواة بـ"صدوق "أي ولحقه بغيره , يخطىء ,لين ,له
أوهام ......يقصد به أنه وإن كان عنده قدر من الضبط ,إلا أنه ليس بالقدر الكافي
لقبول ما يتفرد به من الروايات ,أو أراد به إثبات العدالة فقط دون الضبط كما هو
مسلك المتقدمين .........."
ثم أسهب فى ضرب الأمثلة.
قلت ويشهد لهذا هنا أن
"كامل" هذا قال فيه ابن عدى رأيت فى بعض رواياته أشياء أنكرتها , وأرجو
أنه لا بأس به (تهذيب التهذيب)
قال المعلميّ اليمانيّ في (الفوائد
المجموعة 38):
" هذه الكلمة رأيت ابن عدى
يطلقها فى مواضع تقتضي أن يكون مقصوده أرجو أنه لا يتعمد الكذب ......"
وعليه فلا يثبت والله أعلم ، ولو
صح فهو مخالف للأكثر والأعلم .
قال الشيخ العثيمين رحمه الله في (الشرح
الممتع 2/545):
وهو مروي عن أسماء وأنس بن مالك
(قلت فى سنن الدارقطنيّ )
قال شيخنا أبو عمر حفظه الله (فى
شرح الدرر البهية )
وهذا القول ردّ لأنه يذهب بشروط
الزكاة من الحول والنصاب ونحو ذلك .
ثم يلزم منه معرفة شروط هذه
العارية من الضمان أو عدمه وكذا حدها , ومدتها , إذ الأصل فى الزكاة أنها عبادة
مشروطة ."ا.هـ
المذهب الثالث:
ــــــــــــــ
أنه يجب فيه إما الزكاة وإما
العارية , قال الشيخ العثيمين رحمه الله ورجحه ابن القيم رحمه الله فى الطرق
الحكيمة .
قال شيخنا أبو عمر حفظه الله :
وهذا أضعف المذاهب وذلك أن الزكاة ليس لها عوض شرعيّ حتى يقال كذا وكذا .
2/ ثم هو يحتاج إلى دليل على
التخيير ولا دليل.
3/ والأصل فى الزكاة الإلزام .
4/ فضلاً عن معارضته للمرفوع
ولأكثر الصحابة .
الراجح :
ـــــــــــــ
وعليه فهذا الثلاثة ساقطة لا تثبت
إما سندًا وإما نظراً ,أو كليهما؛ فلم يتبق سوى مذهبين تبين من خلال ما سبق
القائلين بهما , وترجح بفضل الله ومنه وكرمه . مذهب القائلين بزكاة الحلي ؛ وهو
قول أكثر الصحابة ،أشهرهم عمر و ابن مسعود.
وصح أيضاً ذلك عن ابن المسيب وابن
جبير والنخعي وعطاء بن أبى رباح والزهريّ وعبدالله بن شداد والثوريّ وغيرهم
(صحيح فقه السنة لأبى مالك صـ2/26
)
قلت وهو مذهب أبي حنيفة وقديم
الشافعيّ ورواية عن أحمد وقول ابن حزم وقال به من علماء الزمان الشيخ الشنقيطيّ في
(أضواء البيان ) الآية " والذين يكنزون الذهب والفضة ....." سورة
التوبة.
وللشيخ ابن باز رسالة فى زكاة الحلي
قال فيه بالوجوب والشيخ الألبانيّ فى تمام المنة فى التعليق على فقه السنة صـ361
والشيخ العثيمين فى الشرح الممتع وغيره , وقال به غيرهم والله أعلم .
وأدلتهم هى:
1/ قوله تعالى " والذين
يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم "(التوبة -34-)
وانظر أضواء البيان للشنقيطيّ.
قال الشيخ العثيمين 2/546 :
"والمراد بكنز الذهب والفضة
عدم إخراج ما يجب فيها من زكاة وغيرها من الحقوق .
قال عبدالله بن عمر رضى الله عنهما
:
كل ما أديت زكاته ,وإن كان تحت سبع
أرضين فليس بكنز ,وكل ما لا تؤدى زكاته فهو كنز ,وإن كان ظاهراً على وجه الأرض
"
قال ابن كثير –رحمه الله – وقد روى
هذا عن ابن عباس وجابر أبيى هريرة مرفوعاً وموقوفاً " ا.هـ
ثم قال ـ أي : الشيخ ابن عثيمين):
"والأية عامة فى جميع الذهب
والفضة ولم تخصص شيئا دون شىء فمن ادعى خروج الحلي المباح من هذا العموم فعليه
الدليل !!!
ثم قال "وما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضى
الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي
منها حقها إلا اذا كان يوم القيامة صفحت
له صفائح من نار فأحمى عليها فى نار جهنم فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره " الحديث ا.هـ
والقول فيه كالقول فى الآية بل هو
تفسير للآية والله أعلم.
قال ابن حزم فى المحلى -6/78-79 –
وهو لا يرى صحة الأحاديث التى نصت على زكاة الحلي – قال " لولم يكن إلا هذه الآثار
لما قلنا بوجوب الزكاة فى الحلي ,ولكن
لِما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " فى الرقة ربع العشر "البخاري " وليس فيما دون خمسة أواق
من الورق صدقة فإذا بلغ مائتى درهم ففيها خمسة دراهم ............"
وأما الذهب فقد صح عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم " ما من صاحب ذهب ......."وذكر الحديث السابق .
قلت ولهم غير ذلك من الأدلة من
عمومات الشريعة فى الزكاة الذهب والفضة .
وكذلك النصوص التى جاءت فى زكاة
الحلي كما سبق فى المبحث الحديثيّ وكذا آثار الصحابة القائلين به .
قال شيخنا أبو عمر حفظه الله :
" وعليه فالراجح وجوب
الزكاة فى الحلي على الشروط الشرعية من
النصاب والحول والملك وأن يكون من الذهب والفضة إذ غيره ليس فيه زكاة .ا.هـ
وهو القول الذي تنصره الأدلة كتابا
وسنة وتنصره الأصول ؛ فما كان من توفيق فمن الله وما كان من زلل فمن نفسي وأستغفر
الله منه .
وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد
كما صليت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم
وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم ،إنك حميد
مجيد .
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب
العالمين.
كتبه/
أبوسفيان
عمرو أحمد عبدالسلام أحمد سادات
أبوداود -1560- واللفظ له ,
والترمذى -637-
والنسائى -2576- , أحمد -2/178 .
وغيرهم .
.