#قِصَّةٌ_قَصِيرَةٌ
═════ ● ✿ ● ═════
==> حَدِيثٌ بَيْنَ لِحْيَيْنِ!
═════ ● ✿ ● ═════
✿ خَرجَ مِنْ بيتهِ مُتَّئِدًا حَذِرًا يترَقَّبُ تُرْىَ إلى أيْنَ يَذْهَبُ!
- مَرَّ مِنْ أمام حَلَّاقِ القريةِ مرَّةٍ مِنْ بَعْدِ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَجوزُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ..
● وفي كُلِّ مَرَّةٍ يَنْظُرُ إليهِ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عليهِ!
- ثُمَّ وقَفَ على بابهِ لَحظَاتٍ يتَرَدَّدُ! ثُمَّ دَخَلَ يتلَدَّدُ..
- فما الَّذِي جَرَى! وكيفَ جَرَىَ!
● لقَدْ تَغَيَّرَ سَمْتُهُ من بَعْدِ وقَارٍ، وتَبَدَّلَ شكلُهُ في طَيِّ صَغَارٍ؛
- إنَّه لا يَكَادُ يُعْرَفُ! بعد تدقيقٍ وتَكَلُّفٍ.
● شَائِعَاتٌ دَارَتْ في الْقَرْيَةِ حَوْلَ تَنَمُّصِهِ بلا مِرْيَةٍ!
- ولَسْتُ أدْرِي هَلْ تَنَمَّصَ! أمْ لَمْ يَتَنَمَّصْ! ولكنَّهُ على كُلٍ مِنْ لِحْيَتِهِ تَخْلَّصَ!
═════
● كانَ الْمِسْكينُ يَحْسَبُ في الْكَذِبِ نَجَاة، وأنَّ التَّمْويهَ سَبَبُ حَيَاة؛
- ولَمْ يَدْرِ في بلاهَتِهِ أنَّهُ أقَامَ الأدِلَّةَ الْسَّاطِعَاتِ على جِنَايتِهِ!
✿ فقَدْ كَان الْسُّؤالُ الَّذِي يُطْرَحُ في حَضْرَتِهِ فَضْلاً عَنْ غَيْبَتِه:
==> لِمَ حَلقَ لِحْيَتَهُ!
● خرَجَ من عِنْدِ الْحَلَّاقِ لا يَلْوِي، وجَازَ مُسْرِعًا دُونَ تَرَوِّي؛
- والْنَّاسُ تَرْمُقُهُ، عِصَابةٌ من بَعْدِ عِصَابةٍ في تَعَجُّبٍ وحِيرَةٍ ..
==> تُرْىَ مَا الَّذِي أصَابَهُ!
● دخَلَ بَيْتَهُ والأفْكَارُ تُلاحِقُهُ، والْهُمُومُ تُدَاهِمُهُ وتُسَابِقُهُ،
- كانَ يَشْعُرُ بألَمٍ في لِحْيَيِّهِ؛ فأخذَ يَمسُّهُمَا رِفقًا بيَديْهِ ..
● ولَكِنْ أنْكَرَتْ يَدَاهُ شَيْئًا؛ فأخَذتَا تَرْتَعِش، وتَنْقَبِضُ وتَنْفَرِش؛
==> أهَذِهِ لِحْيَةُ صَاحِبِنَا! أمْ ذِقَنُ زَوْجِهِ!
✿ قَالَتْ الْيُمْنَى لليُسْرَى: وهَلْ يُفَرَّقُ بين الأسَدِ وزَوْجِهِ إلَّا باللحْيَةِ؟!.
═════
● كَانَ يريدُ أنْ يُصْرَفَ عَنْ هَذِهِ الأفْكَارِ خَشْيَةَ الْعَطَنِ؛
- فظَنَّ أنَّ الْمَاءَ يُزيلُهَا كَمَا يُزيلُ دَرَنَ الْبَدَنِ..
● فدخَلَ حَمَّامَهُ فَاسْتَحَمَّ، ولَكِنْ هَيْهَاتَ لَقَدْ ازْدَادَ عَليهِ الْهَّمُّ!
- فغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فنَامَ؛ فَرَأى في الْمَنَامِ لِحْيَيِّهِ يَخْتَصِمَان..
========
✿ قَالَ الأيْمَنُ: عَلَيْهِ ،وعَلَيْهِ لَقَدْ عَرَّانَا مِنْ بَعْدِ كَسَاءٍ،
- وتركَنَا -مِنْ بَعْدِ أُنْسٍ- في خَوَاءٍ.
● فقَالَ الأيْسَرُ: لَقَدْ خَشِيَ عَليْنَا وعَلَى جَمِيع (الأعْضَاء)؛
- أنْ نُمَسَّ أوْ (إخْوَانَنَا) بنَوْعِ إيِذَاء.
✿ قَالَ الأيْمَنُ: فَأيْنَ الْرِّبَاطُ والْجِلَادُ؟ وأيْنَ الْصَّبْرُ والْجِهَادُ؟
- لقَدْ كُنَّا في حِمَايةٍ؛ فصِرْنَا في نِكَايَةٍ!
● فقَالَ الأيْسَرُ: إنَّهُ لا يَزَالُ يُجَاهِدُ، وفي سَبِيلِ الْدِّينِ يُكَابِدُ.
✿ قَالَ الأيْمَنُ: أيُّ دِينٍ! وهُوَ مِنَّهُ يتَجَرَّدُ حِينًا مِنْ بَعْدِ حِينٍ،
- وأيُّ جِهَادٍ؟ وهُوَ لَمْ يَصْبرْ سَاعَةَ جِلادٍ في أمْرِ لِحْيَةٍ!
- فكيفَ بهِ في أمْرِ الْدِّينِ!
═════
● قَالَ الأيْسَرُ: مَا أرَادَ إلَّا الْخَيْرَ.
✿ فقَالَ الأيْمَنُ: (وكَمْ مِنْ مُريدٍ للْخَيْرِ لَنْ يُدْرِكَهُ)!
- وهَلْ يَصْلُحُ عنْدِ أهْلِ الْدُّنْيَا في حَيَوَاتِهِمْ وتِجَارَاتِهِمْ وصِنَاعَاتِهِمْ،
- وسَائِرِ شُؤونِهِمْ أنْ يَعْمَلَ فيها حَسنُ الْنِّيَّةِ فيُفْسِدَ؛ فيُقَالَ مَا أرَادَ إلَّا الْخَيَرَ!
● فأطْرَقَ الأيْسَرُ مَليًا ثُمَّ قَالَ: ومَا يَضِيرُنَا ونَحْنُ كَذَلِكَ؟
✿ فقَالَ الأيْمَنُ: إنَّنِي أرَىَ نَظَرَ الْنَّاسِ إليه بامْتِعَاضٍ؛
- فأتقَطَّعُ أبْعَاضًا في أبْعَاض!
==> فكيفَ بِنَظَرِ الْخَالِقِ إليْهِ ووُقُوفِهِ غَدًا بَيْنَ يَدَيْهِ!
● قَالَ الأيْسَرُ: إنَّهُ يَتَفَهَّمُ الْوَاقِعَ.
✿ قَالَ الأيْمَنُ: لَقَدْ زَعَمَ أنَّهُ سَيُصْلِحُ فأفْسَدَ؛
- كالَّذِي قَالَ سَأتْلُو عَلَيْكُمْ ثُمَّ أنْشَدَ!
- فلمَّا رُوجِعَ رَدَّ باسْتِيَاء، وزَعَمَ أنَّهُمَا سَوَاء!
==> لقَدْ (أرْخَوْا) حِبَالَ مَا لَيْسَ بدِينٍ، و(حَلَقُوا) مَا هُوَ مِنْ أصْلِهِ مَتِين!
═════
● فقَالَ الأيْسَرُ: ولَكِنْ يُلْتَمَسُ لَهُ الْعُذْرُ.
✿ قَالَ الأيْمَنُ: وأيُّ عُذْرٍ!
● قَالَ الأيْسَرُ: إنَّ الأصْلَ في الأشْيَاءِ الإبَاحَة.
✿ فضَحِكَ الأيْمَنُ وقَالَ: إنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بين:
- (الأصْلُ في الأشْيَاءِ الإبَاحَةُ) ، و (الأصْلُ في الأشْيَاءِ الإبَاحِيَّةُ!)
● ألا فَاعْلَمْ يَا صَاحِبي أنَّ أهْلَ الْعِلْمَ يَقُولونَ:
- إنَّ الأصْلَ في الأشْيَاءِ الإبَاحَة؛ كمَا أنَّ الأصْلَ في الْعِبَادَاتِ الْمَنْعُ؛
- فكُلُّ ما كَانَ مِنْ بَابِ التَّعَبُّدِ فلابُدَّ عليهِ مِنْ دَليلٍ..
==> وإلَّا فَليْسَ إلى الْحَقِّ مِنْ سَبيل.
═════
● فقَالَ الأيْسَرُ مُتَعَجِّبًا: ومِنْ أيْنَ لَكَ مَا قُلْتَ؟
✿ قَالَ الأيْمَنُ: أليْسَ صاحِبُنَا كَانَ يَحْضُرُ مَجَالِسَ الْعِلْمِ!
● قَالَ الأيْسَرُ في نَفْسِهِ: نَعَمْ؛ الْمَجَالِسُ الَّتِي أكَلَتْهَا بَعْدُ الْسِّيَاسَةُ والْحِزْبِيَّةُ!
✿ قَالَ الأيْمَنُ مُتَحَسِّرًا: أيْنَ الْمَسْجِدُ وأنْوَارُهُ؟ أيْنَ الْعِلْمُ وأزْهَارُهُ!
● قَالَ الأيْسَرُ: تُرَىَ تَرْجِعُ هَذِهِ الأيَّامُ ثَانيةً!
==> قَالَ الأيْمَنُ:
- إنْ كُنْتَ مُكْتَئِبًا لِعِزٍ قَدْ مَضَى ● ✿ ● هَيْهَاتَ يُرجِعُهُ إليْكَ تَنَـدُّمُ!
═════
● قَالَ الأيْسَرُ: ولِمَ هَذَا الْتَّشَاؤُمُ!
✿ فقَالَ الأيْمَنُ: إنَّمَا هُوَ الْوَاقِعُ.
● فقَالَ الأيْسَرُ: أنْتَ تُبْغِضُهُ، ومَا تُريدُ لَهُ إلَّا الْشَّرَّ.
✿ فَرَدَّ الأيْمَنُ: هَذَا مِمَّا يُضْحِكُ الْثَّكَالَى! فأنا مِنْهُ، وإنَّمَا أنَا نَاصِحٌ أمِينٌ.
● قَالَ الأيْسَرُ: بَلْ أنْتَ غَاشٌ خَائِنٌ.
✿ فصَاحَ الأيْمَنُ: لِئنْ لَمْ تَنْتَهِ لأفْعَلنَّ بكَ!
═════
==> فبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ والْحَرْبُ شَبَّ أُوارُهَا، وقَامَتْ أوْزَارُهَا؛
- تَدَخَّلَ صَاحِبُهُمَا جَزِعًا؛ فقَامَ مِنْ نَوْمِهِ فَزِعاً:
- يتَحَسَّسُ لِحْيَيَّهِ، ويَعُضُّ مِنْ الْنَّدَمِ يَدَيْهِ.