#قِصَّةٌ_قَصِيرَةٌ
═══════ ● ✿ ● ═══════
==> سَلَسُ الْفَسْبَكة! <==
═══════ ● ✿ ● ═══════
● في بيتٍ من طابقٍ واحدٍ علاماتُ الفقرِ عليهِ باديةٌ،
- وألْسِنَةُ الْحَاجَةِ مِنْهُ شاكيةٌ!
● وفوقَ الطَّابقِ طبقٌ مستديرٌ = «دِشٌ»!
- تنزلُ أسلاكُهُ عَبْرَ سُلَّمٍ من الْحَجَرِ إلى صالةِ البيتِ ،وفيهِ شاشةُ تِلفازٍ كبيرةٍ!!.
● وعنْ يمينها مَمَرٌ إلى حجرة بابها مهشَّمٌ، لا تعرفُ لها لونًا،
- قد تكون رماديَّة! نافذتها مُهَشَمَّةٌ أيضًا، وقد سُدَّتْ ثغراتُها بقطعِ قماشٍ.
● وعلى سريرٍ قديمٍ من حديدٍ له صريرٌ،
- قد تكوَّمَتْ عليه أكوامٌ من الأغطيةِ الرَّثَّةِ!
● وتحتها يغطُّ في سُبَاتِهِ شابٌ في شَرْخِ الشَّبابِ صغيرُ الَّرأسِ
- قد جحظت عَيْنَاه، طويلُ القامَةِ ،والْعُنُقِ، تبدو عليه نحافةٌ ظاهرةٌ!
═══════
● وعَنْ يمينهِ فيما بينه وبين الجدار ==> حاسوب محمول!
- قد اتَّصلَ عبر أسلاكهِ بثُقْبَي الكهرباء، عبر مشترك فيه شاحنٌ،
- قد اتَّصلَ بهاتفٍ محمولٍ مِمَّا يُسَمَّى ==> بالهواتف الذَّكيَّة!
● وكانَ هذا النَّائمُ كأنَّمَا يُعَانِي شيئًا في منامِهِ!
- وفجأةً؛ تجرَّأتْ رِجْلَاهُ على السَّريرِ الْحَديديِّ؛
- فخَرَجَتَا عن حُدُودِهِ، تحوطُهُمَا الأغْطِيَةُ الْرَّثَّةُ!
● كانت ليلةً شَاتِيَةً مَطِيرَةً، شَديدةَ الْرِّيحِ، وتحت السَّرير قِطَّةٌ رماديَّةٌ،
- ترتعدُ من شِدَّة الْبَرْدِ، وتَبْحَثُ عن ملجأٍ دفءٍ لهَا!
● وإذا بماءٍ يقطر عليها، كان سَاخِنًا، وذَا رَائِحَةٍ نفَّاذَةٍ،
==> تَحَيَّرَتْ مِنْ أيْنَ يأتي الْمَاءُ!
● مُحَالٌ أنْ يكونَ قد دَخَلَ من خارجٍ! فضلاً عَنْ سُخونَتِهِ ورَائِحَتِهِ!
- تَنْحِتُ هُنَالِكَ عند قَائمِ الْسَّريرِ تنعي حَالَهَا!
- ولَمْ تشغلْ بقطرِ الْمَاءِ الْسَّاخِنِ بَالَهَا!.
═══════
● وفي الْصَّبَاحِ خَرَجَتْ أمُّهُ؛ فأتَتْ بالإفطار لأبيهِ؛ فأفطر،
ثُمَّ خرجَ إلى عَمَلِهِ، ثُمَّ قَامَتْ ففَتَحَتْ بابَ الْحُجْرَةِ،
وما إنْ دَخَلَتْ؛ حَتَّىَ عَلَا صَوْتُهَا،وأخَذَتْ تِلْكُمُ هَذَا الْنَّائِمَ بكِلْتَا يَدَيْهَا!.
==> وتَصِيحُ:
- لا زِلْتَ عَلَى هَذَهِ الْعَادَةِ! مَتَىَ تَكْبُرُ!
- أفٍ، ما هذه الْرَّائِحَة! قُمْ، كَيْفَ تُطِيقُ هَذَا!
● ثُمَّ أزَاحَتْ عَنْهُ الأغْطِيَةَ بعُنْفٍ، فطَارَ مَعَهَا الْهَاتِفُ حَتَّى ارْتَطَمَ بالجِدَارِ!
وأمَّا الْحَاسُوبُ، فَوقَعَ تَحْتَ الْسَّرِيرِ!.
● وَقَفَتْ عِنْدَ الْبَابِ، وصَاحَتْ بهِ:
- قُمْ، ابْحَثْ لَكَ عَنْ عَمَلٍ، ودَعْكَ مِنْ هَذَا الْخَرَابِ!.
● لَمْ يَنْطِقْ بكَلِمَةٍ، وظَلَّ جَالِسًا عَلَى حَافَّةِ الْسَّرِيرِ صَامِتًا يَنْظرُ إلى الأرْضِ!.
- وبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ يَجُولُ خَاطِرُهُ فيمَا يَجُولُ!. ويَصُولُ ذِهْنُهُ فِيمَا يَصُولُ!.
● هَرَعَتْ الْقِطَّةُ خَارج الْحُجْرَةِ خَلْفَ أمَّهِ، ولِسَانُ حَالِهَا:
- الْحَمْدُ للهِ الَّذِي نَجَّانِي مِنْ هَذِهِ الْحُجْرَةِ الْظَّالِمِ صَاحِبُهُا!.
═══════
● خَرَجَتْ أمُّهُ لِقَضَاءِ حَاجتهَا مِنْ الْخَارِجِ!
- فَخَرَجَ هُوَ مِنْ حُجْرَتِهِ؛ فقَضَى حَاجَتَهُ في الْدَّاخِلِ!.
● ثُمَّ خَلعَ مَا كَانَ عليهِ مِنْ ثِيابٍ، فتنَاثَرَ بَعْضُ خزيه كَالتُّرَابِ،
- ثُمَّ قَضَى على البقيَّةِ بالاسْتِحْمَامِ؛ حتَّىَ أفاقَ مِمَّا كانَ فيهِ،
- فَلَبِسَ لِبَاسَهُ، وارْتَفَعَ صَدْرُهُ، فرَفَعَ رَاسَهُ، ودَخَلَ حُجْرَتَهُ يَتيهِ كَالطَّاوُوسِ!
● ثُمَّ أيْقَظَ حَاسُوبَهُ مِنْ سُبَاتِهِ، وجَلَسَ عَلَى سَريرهِ، وفتح «فيسبوك»!
- كَانَتْ الإعْجَاباتُ كثيرةً جدًا، فَضْلاً عَنْ الْمُشَارَكَاتِ!
● والْتَّعْليقَاتُ:
==> يا لَكَ مِنْ بَطَلٍ!
==> للهِ أبُوكَ! مَا أشْجَعَكَ!
==> تَسْتَحِقُ أنْ تَكُونُ قَائدًا مِنْ قَادَةِ هَذهِ الأمَّة!
==> و .. و ..
● لَقَدْ أُغْلِقَ الْحَاسُوبُ!
- وقَدْ كَانَ هُوَ في قِمَّةِ نَشْوَتِهِ الفيسبوكيَّة!
كيفَ هَذا!
- لقد كانَ في الْشَّاحِنِ، كيف لَمْ يَتمْ شَحْنُهُ!
- نَعَمْ؛ لقد فصلت الكَهْرُبَاءُ بسَببِ أمْطَارِ الأمْسِ!
● خَرَجَ يُهَرْوِلُ إلى خَارجٍ، وَقَفَ عَلَى بابِ الْبَيْتِ وأخَذَ يَصِيحُ،
==> ويَسُبُّ الْدَّوْلَةَ، والْحُكُومَةَ، و ..
● فتجَمَّعَ على الأبْوَابِ مَنْ تَجَمَّعَ من صَغيرٍ وكَبيرٍ، وذَكَرٍ وأنْثَى!
- يثنونَ على صَنيعِهِ، وهُوَ يَزْهُوُ ويَتيهِ، ولا زالَ يَنْتَفِخُ كالبَالُونِ على نحَافَتِهِ!═══════
● ولَكِنْ لَمْ يَدُمْ الْحَالُ، فإذا به كَشُعْلَةٍ تَخُبُو سَريعًا،
وانْحَنَى رَأْسُهُ عَلَى صَدْرِهِ، واخْتَبَأ خَلْفَ الْبَابِ وهَرْوَلَ إلى الْدَّاخِلِ!
بَعْدَ أنْ كانَ يُهَرْوِلُ إلى الْخَارِج!
● فمَا الَّذِي جَرَى! هَلْ رَأى الْشُّرَطَ?!.
- لا لَقَدْ رَأى أمَّهُ قَادِمَةً!
● جَاءتْ أمُّهُ تَسِيرُ على قَدَمَيْهَا في الْطِّينِ، وتحمل فوق رأسها:
- وعاءً به الدَّعمُ من أرزٍ، وزَيْتٍ، ونَحْوِهِ!
● تُمْسِكُهُ بيدٍ، وبالأخْرَىَ تَسْتَنِدُ على الْجُدْرَانِ!
- خَشْيَةَ الْسُّقُوطِ ،بسبب الوحلِ!.
كَمْ كَانَتْ تَخْشَى الْسُّقوطَ عَلَى بَيْتِهَا! و تعملُ جاهدةً للحفاظِ عليهِ!.
● دخلتْ البيتَ ودَخَلَ معها الْنُّورُ، فهَرَعَ صَاحِبُنَا إلى حَاسُوبِهِ وهَاتِفِهِ،
- وهَرَعَتْ هي إلى مَطْبَخِهَا تَعُدُّ طعامَ الْعَشَاءِ!.
═══════
● جاءَ أبوهُ؛ فاستحمَّ، وغَيَّرَ مَلابِسَهُ، ثُمَّ جَلسَ أمامَ التِلْفَازِ ليُشَاهِدَ الأخْبَارِ،
إنَّهَا قَنَوَاتٌ مُعَيَّنَة لا يُغَيِّرُهَا، وما تأتي به من أخبارٍ مَكْرُورَةٍ لا تَتَغَيَّرُ مِنْ:
(مسيراتٍ، ومُظَاهراتٍ، واعْتِصَامَاتٍ ..)
- في زخمٍ بَاهِتٍ، وكَآبَةٍ ظَاهِرَةٍ، وفَوْقَ هَذَا وذاكَ كَذِبٌ صُرَاحٌ!!
● وكان يتركُ التِلْفَازَ إنْ تَرَكَهُ! إلى هَاتِفِهِ الْمَحْمُولِ؛
ليعيشَ على نفس الأخبار ولكنْ على الشبكةِ العنكبوتيةِ= الإنترنت! ،وكانت هذه عادَتُهُ اليوميَّة!.
● حتَّى إنْ زَارَهُ قَريبٌ، أو حَبيبٌ انْشَغَلَ عَنْهُ بذَلكَ، أوْ شغلَهُ معه بهِ!
- حتَّى قَال لَهُ مَرَّةً أبو زَوْجَتِهِ:
- إنني أذهبُ عند أبنائي جميعًا وغيرهم، وأرى قنواتٍ عَديدةً ،
ولا أرى ما على قنواتكَ هَذهِ! لماذا? !
● فلَمْ يُجِبْ بشيءٍ، ولَمْ يردّْ سَلْبًا، ولا إيجابًا، ولو برأسهِ! أو إحدى يديهِ!
- فقام الرَّجلُ، وانصرف!
═══════
● فعادَ هذا لفَسْبَكَتِهِ، وكأنَّهُ يُفَسْبِكُ لا إراديًا!
- وبينما هو مُنْهَمِكٌ في أخبارهِ وفَسْبَكَتِهِ!
- تارةً يميلُ ،وتارةً يَعْتَدِلُ، وتارةً يقومُ، وأخْرَىَ يَجْلِسُ!
● خرجتْ زوجتُهُ من المطبخِ، لتأتيَ بشيءٍ مِنْ الْصَّالَةِ، فسمعتَهُ يقول:
لَوْ كانَ لي مِنْ الأمر شيءٌ؛ لفَعَلْتُ وفَعْلْتُ!
● مَصْمَصَتْ شِفَاهَهَا مُتَعَجِّبَةً، ثُمَّ أدْبَرَتْ مُوَلِّيَةً ..
- وعندَ بابِ الْحُجْرَةِ سَمِعَتْ وَلَدَهَا يتكلَّمُ في الهاتف:
- سيأتي يومٌ تَرىَ فيهِ مَا أفْعَلُ!
● فلَمْ تَتَمَالَكْ نَفْسَهَا، حَتَّى ضَحِكَتْ بصَوْتٍ عَالٍ!
- ولكنَّهُ ضَحِكٌ تَشُمُّ منه رَائِحَةَ الْحُزْنِ، أو كمَا قِيلَ: ضَحِكٌ كَالْبُكَا!
═══════
● تَنَاوَلُوا الْعَشَاءَ، ثُمَّ قَاموا فغَسَلُوا أيْدِيَهُم، وذَهَبَتْ هي تَعُدُّ لَهُمْ الْشَّايَ،
- وجلسَا أمامَ الْتِلْفَازِ كَالْعَادَةِ، ونَادَتْهُمَا رَاجيةً غَيِّرَا هَذه الْقَنَواتِ الْبَائِسَةِ،
- وهذا الكلام الْمَكُرورِ الْتَّعيسِ، فأخَذَا يَسْخَرَانِ مِنْهَا، ويَتَهَكَّمَانِ عَليْهَا!
● جَاءَتْ بالشَّاي فَوضَعَتْهُ بين أيْدِيهِمَا، ثُمَّ قَالَتْ:
- مَا أفْسَدَ أحَدٌ هَذَا الْوَلَدَ غَيْرُكَ، فَلَمْ يَفْلَحْ في دراسَةٍ،
- ولا انْشَغَلَ بعَمَلٍ، وحَالُهُ لا تَسُرُّ عَدْوًا فضلاً عَنْ حَبيبٍ!
● واللهِ أخْشَى عَليْكُمَا، لَسْنَا نَحْتَمِلُ أيَّ شَيءٍ، ولا لنَا أيُّ ظَهْرٍ!
- والَّذِينَ يَدْفَعُونَكُمَا لِهَذَا لَنْ يَقِفُوا مَعَكُمَا، ولَنْ يُدَافِعُوا عَنْكُمَا، و ..
● لَمْ تُكْمِلْ كَلِمَاتِهَا، حَتَّى سَمِعَتْ طَرْقًا شَديدًا على الْباب،
ارْتَجَّتْ لَهُ جُدْرَانُ الَبْيَت ..!