قفْ بالمدينةِ، وانتشِ عبقَ الهُدى
واملءْ فؤادَكَ مِن نسائمِ [أحمدا]
صلى عليهِ اللهُ خيرَ صلاتهِ
ما لاحتِ العلياءُ، أو نجمٌ بدا
وأجلْ بواصرَكَ الحدائقَ بهجةً
تجدِ البصائرَ تُستنارُ، وتُهتدى
كم ها هنا جلسَ النبي، وكم مشى
وأراهُ يَمضي داعيًا، ومُرشّدا
وهنا أسيرُ وراءهُ في صُلحهِ
بينَ العشائرِ، أو يروحُ مُجاهدا
والعادياتُ المُورياتُ كأنّها
شهبُ السّماءِ تُطيحُ أحزابَ العِدى
وتجيءُ جاريةٌ لتاخذَ كفّهُ
نحوَ المرادِ؛ فما يَردُّ لها يدا
وأرى الصبيَّ إذا امتطى ظهرَ العُلا
فترى النبيَّ يظلُّ عطفًا ساجدا
أرأيتَهُ يا صاحِ قد صلّى بنا
والكونُ في إثرِ التلاوةِ رَدّدا
وإذا الجماداتُ التي جمدتْ على
مرِّ الزمانِ نشيدُها قد غرّدا
حنّت، وخنّتْ نحوَ صوتٍ صادقٍ
منهُ الهدايةُ تَستقي طعمَ الهُدى
وذكرتُ جذعًا للنبيّ رأيتُهُ
لمّا ذكرتُ حنينَهُ مُستنشدا
لولا يدُ المختارِ ربّتَ ظهرهُ
حتى استكانَ الشوقُ سيفًا مُغمدا
أتظنُّ قد خمدتْ بهِ نيرانهُ؟!
كلا؛ فباطنهُ اشتياقًا مُوقَدا
وانظرْ إلى هذي الحصى في كفّهِ
قد سبّحتْ ممّا رأتْه إذا انتدى!
فأدارَ وجهًا في محيّاهُ ترى
معنى السماحةِ -إذ تجلتْ- والندى!
وسمعتُهُ يتلو الحديثَ مُرتلًا
فإذا الحديثُ يقولُ: أصغِ لتُحمدا
أحمدْ بهاتيكَ النسائمِ مِن فمٍ
تبقى على الدهرِ الحديثَ السيّدا
تبقى الحياةَ على فؤادٍ مُوقنٍ
فإذا الحديثُ يصيرُ فيهِ مُحمّدا
هلّا نظرتَ كما نظرتُ؛ فإنّهُ
في كلِّ شيءٍ هاهنا عزٌّ شدى
فتسمّعِ الصوتَ النديَّ إذا مضى
يتلو الآذانَ وفي جوانحكَ الصدى
تجدِ البلالَ على ضلوعكَ خاشعًا
والنفسُ يَجلوها الحداءُ إذا احتدى
فهناك حيّ على الفلاحِ جميعهِ
والقلبُ نادى: حيّ حيّ على الفدى
وترى الصحابةَ في الدروبِ يقودُهم
نورُ النبيِّ يَزينُ أرجاءَ المدى!
صلى عليهِ اللهُ تعدادَ الورى
ووِزانَـهُ، ومِلاءَهُ مُتعدّدا!
قبيل فجر الخميس السابع من جمادى الأولى عام 1444 من هجرة عبد الله ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بمدينته المشرفة دون روضته الشريفة، والحمد لله رب العالمين.