إلى أين?!

إلى أين?!

#قصةٌ_قصيرةٌ

#سوريا

إلى أين??!!

*كان عجيبًا حقًّا أن يُغلقَ بابَ بيتِهِ المتهدمِ إثرَ القصفِ الغشومِ ،فضلًا عن أن يُعملَ فيه مِفتاحه ،ويَسحبَ مزلاجه ،ثم يضغطُ على قُفلهُ ،ويَجبذهُ متأكدًا من قَفلِهِ!.
=====>
*لا يزالُ أملُ العَود يراودُهُ ،بل هو يجري منه مجرى الدم! ،ما ترك عِرقًا ،ولا. مفصلًا!.
يا لحبِّ الأوطانِ وقد استبدّ بالأفئدةِ ،فاستوى على عروشِها مُتوجًا ،واستولى على ممالكِ أبدانِها مؤيّدا! ،فحركاتُها ،وسكناتُها تدور في فلكهِ!.
فكيفَ وهو وطن إسلاميّ?!.
=====>
ترى هل يعود?!
ولم?!
إنَّ كلَّ شيءٍ هَاهُنا قد ماتَ!.
الموتُ يُخيمُ على كلِّ شيءٍ ،كأنّهُ أُهيلَ على المدينةِ كترابِ القبرِ!.
حتى الأرضُ قد ماتتْ ،وتشققَ أديمُها ،وماتتْ البيوتُ وتساقطتْ كأوراقِ الخريفِ بناياتُها!.
وامتصّ الموتُ مياهَ الأنهارِ ،والتُّرعِ ،فجفتْ ،واعتصرَ أعوادَ الشّجرِ ،والزرعِ فيبستْ ،وأطلّ الموتُ من كلّ شيءٍ ،حتى السّماءُ قد اسودتْ بغيومِها الدّاكنةِ كأثوابِ الحِدادِ ،واغتيلتْ الشّمسُ وراءَها ،وتقاطرَ دمُها يُخضبُ أياديَها السّوداءَ!.

*تَشمُّ رائحتَهُ مِن هاهُنا ،وتَسمعُ صوتَهُ مِن هُنالكَ ،وتراهُ ماثلًا بين عينيكَ! حيثُما وَليتَ وجهكَ ،فهو ثَمّ!.
يأتي الموتُ من كلّ مكانٍ ،ويحيطُ بكلّ شيءٍ ، يَنبعثُ من الأشلاءِ الممزقةِ المتناثرةِ بينَ الرّكامِ ،دَكّتْهُ يدُ الظّلمِ الجائرةِ ،فجثمَ على الأرضِ آيةَ لعنةٍ على جبينِ الطّغاةِ ،والجبابرةِ!.
إنّهُ يفوحُ من الدّماءِ المسفوحةِ تَجري كالمِدادِ المسكوبِ عارًا على وجهِ البشرِ ،تكتبُ على الأرضِ قصةَ الغدرِ ،والخيانةِ!.
تنسربُ في جحورِ الأرضِ تغلي ،إلى يومِ يرتضعُها أبطالٌ من جِلدتنا ،ويتكلمونَ بألسنتنا ،ولكنّهم يحملونَ الدّينَ في القلوبِ فيُفتحُ لهم ،لا على الأكتافِ يسقطُ مع أولِ انحناءةِ ذلٍّ للعدوِ!.

*نظرَ نظرةً علقتْ فيها عينهُ بكلّ ما هنالكَ من خرابٍ ،فإذا المدينةُ خاويةٌ على عروشها ،ولسانُ حالِه:
أنّى يحيي هذه الله بعد موتها?!
يجيب نفسه بنفسه في نفسه:
إن الله على كل شيء قدير!.
ثم ينطلق من بين الركام والأشلاء…،ولكن إلى أين?!.
=====>
* امتطى صهوةَ دراجتهِ النّاريةِ ،وأخذَ يجوسُ بها خِلالَ الأطلالِ المتراميةِ مدَّ البصرِ!.

*أكانَ يبحثُ عن شيءٍ هنالكَ?!

أم تُراهُ يودعُ كلَّ بُقعةٍ من الأرضِ ،ويمسحُ عليها بعينهِ الباكيةِ?!

لعلّهُ على موعدٍ مع قدرٍ لم يخطرْ لهُ على بالٍ!
=====>

*هاهُنا كانتْ جِنانٌ زاهرةٌ ،ورياضٌ ناظرةٌ ،فأينَ أريجُ زهورِها يعبقُ نسيمَها ،وأينَ زقزقةُ طيورِها?! تملأُ بالبهجةِ أركانَها!.
فبينا أهلُها في رغدٍ ،ونعمةٍ ،إذ تصرّمَ الذي كان ،فذهبَ ،ولم يبقَ إلا الغربانُ ،والبومُ تنعقُ فوقُ طُلولِها!!.
=====>

عَوى الذِئبُ فَاستَأنَستُ بِالذِّئبِ إِذا عَوى
وَصَـــوَّتَ إِنســــــــانٌ فَكِـــــدتُ أَطــــيرُ!

*أحقًّا ما تراهُ عينُهُ ،إنّهُ لا يكادُ يُصدّقُ! ،وقفَ مَشدوهًا ،يضطربُ في نفسِهِ مزيجٌ من الفرحِ ،والعَجَبِ المقرونِ بعدمِ التّصديقِ!.
وما إنْ تيقنَ أنّ حقًّا ما يراهُ ،إلا ونزلَ مُسرعًا كالبرقِ ،ويَمّمَ وجهتهُ نحوهما!.
=====>
*سبحانَ مَن يخرجُ الحيَّ مِن الميتِ!!.
طفلٌ ،وطفلةٌ تعانقا ،على وِسادٍ من لُعبتيهما ،ولكنْ كانَ لحافُهما طبقاتٌ من ترابِ الهدمِ!!.
داهمتْهما الغارةُ الغاشمةُ ،على حينِ غفلةٍ منهما ،في ساعةِ لهوٍ لهما بينَ بيتيهما ،فدفنَ البيتانِ أهليهما ،وقيّدهما قيدًا ظاهرُهُ فيهِ الموتُ ،وباطنُهُ من قِبلِهِ الحياةُ!.
=====>
* أخرجهما ،ونفضَ عنهما ،ثم أوقفهما بين يديهِ ،فنظرَ إليهما ساعةً ،وبراءتُهما تملأ عليهِ نفسهُ ،وتبعث فيهِ رُوحَ الأملِ!.

*احتضنَهما ،وبكى حتّى نشجَ ،ومسحَ بدموعهِ غبارَ أحزانهِ المُتراكمةِ ،وأخذَ يقبلهما! ،كأنهما ولداهُ!.

ثم رنا إليهما ،يُحدثُ نفسهُ:

تُرى أيكونانِ آدمَ ،وحواءَ لهذهِ الأرضِ المنكوبةِ ،كما كانَ أبوينا أولَ مرةٍ?!
لقد ولدا من بينَ التّرابِ ،وخرجا إلى الحياةِ من رحمِ الموتِ!.
=====>
* كانتْ السّماءُ قد تجلببتْ بالظّلامِ ،وجنّها ليلٌ دامسٌ ،حُبسَ ضوءُ قمرهِ خلف قضبانِ الغيومِ المتكاثفةِ ،وأُفعمَ الفضاءُ بأدخنةِ القنابلِ ،يخالطُها غبارها الخانقُ ،وأزيزُ المَروحياتِ  تصكّ الآذانَ صكًّا  ،وإذا الأرضُ تزلزلُها القذائفُ الثّقيلةُ ،أثقلَ من دماءِ قاذفيها!  ،وصوتُ الرّصاصِ كالرّعودِ يأتي من كلّ صوبٍ ،وحدبٍ!.
=====>
*الكلُّ هاهُنا يُقاتلُ للحقِّ! ،والحقُّ: أنَّ الكلَّ ها هُنا يُقاتلُ الحقَّ!!.

*إنها رطانةٌ تنسابُ في الوديانِ ،الكلُّ يرطنُ هاهنا ،فراطنٌ بلسانهِ ،وراطنٌ مِن وراءِ أضلعهِ! ،وما أكثرهم!.

*ما أصدقَ الكذبَ  بين تلك الرّبوعِ ،وأكذبَ الصّدقَ فيها!.
=====>
أردفَ الطفلينِ خلفهُ ،وجعلَ البنتَ بينهما ،وكانت أصغرَهما! ،وانطلقَ يعدو بدراجته ،ولكن إلى أين?!.

*كلُّ الطّرقِ تؤدي إلى الموتِ! ،قواتٌ تقتلُ في كل مكانٍ ،لقد اجتمعوا على القتلِ ،وتفرّقوا عليهِ ، ويبقى لكلٍّ مذاقُهِ في القتلِ بحسبِ عِرقِهِ! ،أو نحلتِهِ!.

*ما أبشعَهم! ،شياطينٌ في جُثمانِ إنسٍ!!.
=====>
أخذَ الطّريقَ الأيمن ،وانطلقَ! ،والطفلانِ خلفَهُ يرتعدانِ ،تصتكُ أسنانُهما  ،وقد اجتمعَ عليهما جنودُ بردِ الشّتاءِ القارصِ ،تَمدُّها كتائبُ بردِ المَسغبةِ القاسيةِ ،وتقودُهما جحافلُ بردِ الخوفِ القاتلِ!.
آهٍ ،آهٍ…إنّهُ القتلُ أيضا!! 

* وبينا هو في طريقِهِ ،يَعدو ،ولا يلوي ،إذا بهِ يرى من بعيدٍ أضواءً تتقدمُ نحوَهُ!  ،أدارَ دراجتهُ ،وانطلقَ هاربًا يتشبثُ بأهدابِ أطرافِ النّجاةِ! ،وانطلقَ الرّصاصُ في أثرِهِ!.
=====>
* جازَ في أولِ دربٍ مؤدٍ إلى الجهةِ الأخرى ،وصَفّاراتُ الإنذارِ تعوي شاهدةً على جنايةٍ جُلّى!.
أجل ،جنايةٌ ،وأيُّ جنايةٍ ،إذ كيفَ لنفسٍ أن تنجوَ حيّةً في تلكَ البقاعِ?!

*انطلقَ يُمعنُ في الهربِ ،وانطلقوا كالكلابِ المسعورةِ يمعنونَ في الطلبِ!.
=====>
*خرجَ  على الطريقِ المقابلِ ،نظرَ يمنةً ،ويسرةً ،ثم زادَ من سرعتهِ ،وإذا في منتصفِ الطريقِ كمينٌ وحولهُ ضباعٌ تشتهي القتلَ ،وتلتذُ بالدّماءِ!.

*عادَ أدراجهُ ،فتبعهُ فريقٌ منهم بدراجاتِهم ،فأخذ في دربٍ عن يمينهِ ،حتى دخلَ بينَ الحقولِ ،وانطلقتْ صفّارتٌ تعوي!.
=====>
* استحثَّ دراجتَهُ على الإسراعِ ،حتّى جاز الحقولَ إلى الطريقِ الرئيسِ ،وإذا خلفهُ ملثمونَ توشحوا السوادَ ،فأمعنَ يبغي النجاءَ ،وإذا بهِ عند مفترقِ الطرقِ ،فنظر أمامهُ ،فوجدَ أنوارًا ،ودباباتٍ عليها الأشقرُ ،والأصفرُ ،والأسمرُ ،وبينَ ذلكَ ،وإذا عن يمينهِ من بعيدٍ تقدُمُ سياراتٌ تحملُ أعلامًا سوداءَ ،وعن يسارهِ مدرعاتٌ نُصيريةٌ! ،ومثُلَ الموتُ أمامَ عينيهِ ،وتوقفَ عاجزًا ،وتعطّلَ فكرهُ !!.
=====>
*هطلتِ الأمطارُ غزيرةً ،تغسلُ السّماءَ من غيومِها ،وسطعَ القمرُ ،وانكسرَ ضوؤهُ على وجهي الصّبيينِ ،فنظرا إلى السّماءِ ،تلمعُ في عيونِهما الحياةٌ!.

*ضغطَ على زرِّ التشغيلِ ،ولكن بلا جدوى ،ولفظت الدّراجةُ أنفاسَها الأخيرةَ ،وبذلتْ آخرَ قطرةٍ من وقودِها ،واستسلمت للموتِ!!.
=====>
لأبي سُفيَان
عَمرُو سَادَات الشَيخْ

📲 قَنَاة【 ديوَان أبي سُفيَان】 مِــنْ هُنـ↶ـا:

[  https://goo.gl/7ImASW ]
        [  @sofyanamro ]

خاتمة الموقع نستودعكم الله