عبادة الأعياد!!
=====>
الحمدُ للهِ الذي جعلَ لعبادِهِ في أيّامِ دهرِهِمِ العيدَ بعدَ العيد ،
وأعادَ عليهم فيه من عوائدِ إحسانِهِ الجديدَ تلوَ الجديد ،
فاعتادوا منه كريمَ جودِهِ ، ولا يزالون وما فَتِئُوا يسألونه المزيدَ قفوَ المزيد ،
وعادتْ عليهم الأعيادُ بالسّرورِ والحبور ، فمنهم هَنِيءٌ وسعيد ،
- سبحانه - ذو الفضلِ والإحسانِ والجودِ ، له الحمدُ - تعالى وتقدس - هو يُبدِئُ ويُعيد .
أما بعدُ ، فكما أنّ العيدَ فرحةٌ وسعادة فهو قربى إلى اللهِ - تعالى - وعبادة .
والفرحُ صفةُ كمالٍ اتّصفَ بها ذو الجلالِ والجمالِ والكمالِ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لَلّهُ أفرحُ بتوبةِ عبدِه من أحدِكم كان بفلاةٍ ضلّتْ عنه راحلتُه ، وعليها زادُه حتى إذا أيقنَ أنّه هالكٌ ، فاضطجعَ تحت ظلِ شجرةٍ ما لبثتْ أنْ وجدها عنده فقال :" اللهم أنت عبدي وأنا ربُّك " أخطأ من شدة الفرح .
فأثبتَ لله - جل وعلا - صفةَ الفرحِ ، فالله - جل وعلا - يفرحُ .
واللهُ - سبحانه وتعالى - يضحكُ . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ضحكَ ربنا " ، فقال بعضُ الصّحابةِ : " أَوَيَضحكُ ربنا ؟! " ، قال - صلى الله عليه وسلم - :" نعم " ، قال : " إذًا لا نعدمُ خيرًا من ربٍّ يضحكُ "
وكذلك - سبحانه وتعالى - يَتبشبشُ - والتَّبشبُشُ هي البشاشة - وذلك لمن تَوَطَّنَ المسجد - أي جعل المسجد له موطنا - . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنّ اللهَ يتبشبشُ لعبدِه المؤمنِ الذي يَتَوَطَّنُ المسجدَ كما يتبشبشُ أهلُ الغائبِ للغائبِ عاد بعد غيبة!.
فالفرح! والضحكُ والبشاشةُ لمن ضبطها بالشرع عبادة ،
وفي الحديث : " تَبسُّمُك في وجهِ أخيك صدقةٌ "
وقال - صلى الله عليه وسلم - : " لا تحقرنَّ من المعروفِ شيئًا ولو أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طليقٍ "
والمؤمنون دائمًا يأخذون زادَهم من هذه المناسباتِ ، ومن هذه النفحاتِ ، يَتَرَوَّدون بها في أعوامِهم وفي سنواتِهم وفي حيواتِهم ؛ فيكونون إخوانًا متحابين متوادين .
ولذلك الحديثُ عن العيدِ هو زادٌ نأخذُ منه الفرحةَ ،وزادٌ نأخذُ منه البهجةَ.
العيدُ ، وما أدراك ما العيدُ!.
العيدُ سرورٌ يفيضُ مع إشراقِ الشمسِ وسطوعِها ، فيصادفُ إشراقَ النفسِ ونصوِعها، فتمتزجُ الأرواحُ الطّيبةُ امتِزاجَ العصارةِ في الغصنِ النّضير ، وتأتلفُ القلوبُ ائتِلافَ السماواتِ هل ترى فيها من فطور?!.
العيدُ في اللغةِ : السرور ،
وقيل : السرورُ العائد ،
وقيل : كلُّ حينٍ يعود هو يومُ سعود وهو يوم عيد ،
وقيل : سُمِّيَ العيدُ عيدًا لأنّه يعودُ بفرحٍ جديد ،
وقيل : إنما هو من العادة ، أو من الاعتِيادِ إذ اعتاده الناسُ من طارِفٍ وتَليد - والطارف الجديد ، والتليد القديم - .
وقيل : سُمي عيدًا لأنّ اللهَ - تعالى - له عوائدُ يعودُ بها على عبادِه من فرحٍ وسرور ، وسعادةٍ وحبور ، ومن توسعةٍ وخير ، ومن جودٍ وبر ، ومن فطرٍ بعد صيام ، وشكرٍ على الإنعام ، وذكرٍ على ما أنعمَ علينا من بهيمةِ الأنعام ، ومن حجٍّ ونحر ، وأكلٍ وشربٍ وذكر كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأيام : " إنها أيامُ أكلٍ وشربٍ وذكر" ؛ ولذلك يَحرُمُ صيامُها .
فَكُلُّ هذه المعاني التي مرّتْ على التّحقيقِ تَتسعُ ولا تَضيق ، فهي تأتلفُ ولا تختلف ؛ فالعيدُ يعودُ ، والعيدُ سرور ، وهو سرورٌ عائد ، وهو عادةٌ ، واعتيادٌ للناس ، وفيه من عوائدِ الرحمنِ على عبادِه من الرّحماتِ والنّفحاتِ فيها ما فيها .
وأما العيدُ شرعًا فما وجدتُ هنالك من عرّفه ، ويُشبُه أنْ يكونَ لو عرّفوه :
" التّعبّدُ لله بإظهار السرورٍ ، بأحوالٍ مخصوصةٍ ، على هيئةٍ مخصوصةٍ "
فالعيدُ عبادة لإظهارِ السعادة ، والعبادةُ حبٌّ وخضوع ، ليستْ قاصرةً على السجودِ والركوع ، بل هي اسمٌ جامعٌ لكل ما يُحبُّه اللهُ ويرضاه من الأقوالِ ، والأفعالِ الظاهرةِ والباطنة .
ومما يحبه الله ويرضاه شعائرُ العيدِ التي نتعبّدُ بها للعزيزِ الحميدِ - سبحانه وتعالى - الذي قال : {لكل أمةٍ جعلنا منسكًا} أي جعلنا عيدًا ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنّ الله قد أبدلَكم بهذين اليومين يومين كان أهلُ يثربَ يحتفدون ويعتادون فيهما اللعبَ فكانا يوم عيد ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنّ الله قد أبدلكم بهذين اليومين خيرًا منهما الفطرَ والأضحى " .
العيدُ عبادة ، وهو شرعٌ من الله - سبحانه وتعالى - .
والأعيادُ في ديننا قسمان :
أعيادٌ زمانيّة ، وأعيادٌ مكانيّة . فالأعيادُ الزمانيةُ على قسمين : الأولُ قسمٌ أسبوعيّ ، وهو يومُ الجمعة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" اجتمعَ لكم في يومِكم هذا عيدان " يعني الجمعة وكان قد صادفَ الفطرَ أو الأضحى .
فيومُ الجمعةِ يومُ عيدٍ ، على المسلمين أنْ يلبسوا فيه الجديد ، وعليهم أن يُظهروا فيه من السعادةِ ، ومن البهجةِ ؛ تَعبّدًا لله - جل وعلا - ، ومن الألفةِ ، والمحبةِ ، وغير ذلك .
فهو يومُ عيدٍ اصطفانا اللهُ ربُّ العالمين.
قال النبيّ صلى الله عليه وسلم - : " أضلَّ اللهُ عن الجمعةِ اليهودَ والنصارى ، واصطفانا نحن بذلك فنحن الآخرون - يعني وجودا - السابقون - يعني يومَ القيامة - " . ولله الحمدُ والمنة .
وأما النوعُ الثاني من الأعيادِ الزمانيةِ فهو العيدُ السّنوي ، وهذا في زمانين اثنين : (بعد عبادة أو) بعد ركنين من دينِ الإسلامِ العظيمِ .
فأما الأولُ فعيدُ الفطرِ بعد ركنٍ عظيمٍ هو ركنُ الصيام {لتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} وكذلك في النحرِ بعد الحجِّ الأكبرِ ؛ شكرًا لله - جل وعلا - على هذا الركنِ العظيمِ حجِّ بيتِ اللهِ الحرام .
فعيدُنا يأتي بعد عبادة : جاء بعد صيام ، وجاء بعد الحج .
فالسّنويُّ : عيدُ الفطرِ ، ويومُ عرفة ، ويومُ النحر ، وثلاثةُ أيامِ التشريق .
كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يومُ عرفة ، ويومُ النحر ، وثلاثةُ أيامِ التشريق - يعني مع يوم الفطر - عيدُنا أهلَ الإسلام " .
علينا أن نعتادَ الفرصةَ فيها ، وأن نتعودَ البهجةَ فيها ، وأن نلبسَ أحسنَ الثيابِ فيها ، وأن نُظهِرَ الشعائرَ فيها ، وأن نُكبِّرَ اللهَ ربَّ العالمين فيها - سبحانه وتعالى - .
وهذا يعني أنّ مجموعَ الأعيادِ الزمانيةِ سبعةٌ : الجمعةُ ، والفطرُ ، وعرفةُ ، والنحرُ ، وثلاثةُ أيامِ التشريقِ .
وأما الأعيادُ المكانيةُ فثلاثةٌ حدّدها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ : إلى المسجدِ الحرامِ، وإلى مسجدي هذا ، وإلى المسجدِ الأقصى " .
فلا تُشَدُّ الرحالُ إلى مسجدِ السيدة ، ولا إلى مسجدِ البدوي ، ولا إلى مسجدِ الحسين ، ولا إلى أي مسجدٍ من المساجدِ ، ولا تُشَدُّ إلى القبور ، بل نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شدِّ الرحالِ إلى قبرِه ، فقال :" اللهم لا تجعلْ قبري وثنًا يُعبَد " ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : اللهم لا تجعلْ قبري عيدًا " .
وإظهارُ السرورِ في هذه الأيامِ يكونُ زيادةً على السرورِ نفسه .
قد يكونُ الإنسانُ مسرورًا ، وقد يكونُ الإنسانُ سعيدًا فرحًا ، ولكنّه لا يُظهِرُ ذلك .
وأما في هذه الأيامِ فعلى المؤمنِ أنْ يُظهِرَ البهجةَ والسرورَ في نفسِه ، وفي ثيابِه ، وفي هيئتِه مع الأهل بالتوسعةِ عليهم ، وبالنفقةِ عليهم ، وغيرِ ذلك مما أتى في شرعِنا الحنيفِ حتى يُفْعَمَ الزمانُ والمكانُ بالبهجةِ ؛ تعبدًا لله - جل وعلا -
عن عائشةَ - رضوان الله عليها - أنّ أبا بكرٍ - رضي الله عنه - دخلَ عليها ، وعندها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعندها جاريتان تضربان بالدُّفِّ ، ويقولون من أشعارِ يثربَ ، ومن أشعارِ الأوسِ والخزرجِ ، ومن أشعارِ بعاث ، فقال : " أَمزمارةُ الشيطانِ في بيتِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ؟! " . قال :" دَعْهما يا أبا بكر ؛ فإنّ لكل قومٍ عيدًا " .
ففي العيدِ يُتْرَكُ الجواري ، وتُترَكُ الفتياتُ ، ويُترَكُ الأولادُ في اللعبِ ، وفي التوسعةِ عليهم ، ويُعطَوْنَ من الأموالِ ، ويُعطَوْنَ من المأكولاتِ ومن المشاربِ ، وتُظهَرُ عليهم البهجةُ في ملابسِهم ، وفي هيئاتِهم ، وغير ذلك ؛ تعبدًا لله - جل وعلا - .
بل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يَدَعُهم يلعبون في مسجدِه - صلى الله عليه وسلم - ، وتشاهدهم عائشةُ - رضوان الله عليها - ، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لِتَعلَمَ يهودُ أنّ في دينِنا فسحةً ؛ بُعثْتُ بالحنيفيةِ السمحةِ " .
ولذلك قال ابنُ حجرٍ - رحمه الله - : " وفي هذا الحديث ِ مشروعيةُ التوسعةِ على العيالِ في أيامِ العيدِ بأنواعِ ما يحصلُ لهم به بسطُ النفسِ ، وترويحُ البدنِ من كُلَفِ العبادةِ ، وأنّ إظهارَ السرورِ في الأعيادِ من شعارِ الدين " .
فهذا من شعارِ الدينِ أنْ نُظهِرَ السرورَ ، وهذا ما يغيظُ الكافرين ، والمشركين {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}.
وقولنا :" في أحوالٍ مخصوصةٍ " أي في أماكنَ مخصوصةٍ ، وفي أزمانٍ مخصوصةٍ كما مرّ معنا أنّ الأعيادَ قسمان : زمانية ، ومكانية .
وأما قولنا :"على هيئةٍ مخصوصةٍ" فيعني على مرادِ الشارعِ الحكيمِ من إظهارِ مراضيه ، واجتنابِ معاصيه .
فقولُنا في تعريفِ العيدِ : إنّه "التعبدُ لله - جل وعلا -" هذا فيه إخلاصُ النيةِ وإظهارُ السرورِ ، وأنْ نُظهِرَ السرورَ في أقوالنا ، وأفعالنا ، وملابسِنا ، ومعاملاتِنا ، ولقائنا بالنّاسِ ، وإتحافِنا الزُّوّارَ والضيفانَ ، وغير ذلك من إظهارِ السرورِ .
"في أحوالٍ مخصوصةٍ على هيئةٍ مخصوصةٍ" أعني على مرادِ الشارعِ الحكيمِ من إظهارِ مراضيه ، واجتنابِ معاصيه ، ومن ذلك الجهرُ بالتكبير "الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد" وهذا يكونُ في عرفةَ ، وفي يومِ النحرِ ، وفي ثلاثة أيام التشريق - يعني غدًا ، وبعد غدٍ ، وبعد بعد غدٍ .
يُكَبِّرُ المرءُ دبرَ كل صلاةٍ ، ويُكَبِّرُ في الشارعِ ، وفي البيتِ ، وفي العملِ ، يُكَبِّرُ الله - سبحانه وتعالى - .
وهاهنا يتضحُ بِجِلاءِ صفاءِ المعتقدِ حيث نُثبِتُ لله - جل وعلا - صفاتِه ، وأنه أكبرُ من كل شيءٍ ، وأنه - سبحانه - ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير ، وأنه لا إله إلا الله أي لا معبودَ حقٌّ إلا اللهُ ، وكلُّ معبودٍ سواه فهو باطلٌ {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} ، ولله الحمدُ ، وله المحامد كلها - سبحانه وتعالى - .
ومن ذلك أيضا - الاحتفال باليد - الغسلُ ، والطيب فعن عليٍّ - رضي الله عنه - : " اغتسلْ للجمعةِ ، ولعرفةَ ، وللفطرِ ، والنحرِ " .
كُلُّ يومِ عيدٍ ، وكُلُّ اجتماعٍ للمسلمين - يُستحَبُّ فيه طيبُ الهيئةِ ، وطيبُ الرائحةِ ، والنظافةُ ، والتطهرُ ؛ حتى ينهاك عن إيذاءِ أخيك المسلمِ ، ولو بِخُبثِ رائحة . فكيف بالذين يُدخِّنون وغير ذلك مما هو منهيٌّ عنه شرعًا .
وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يغتسلُ للعيدِ - رضي الله عنه - .
ومعلومٌ أنّ الغسلُ يكون معه الطيبُ ، والعطر ، والرائحةُ الطيبة .
سنةُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - حتى قال في الجمعةِ : " يَسْتاكُ ، ويأخذُ حتى ولو كان من طيبِ أهلِه " أو كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ومعلومٌ أنّ الطيبَ في خارجِ البيتِ إنما هو للرجال ، وأما للنساء فقال : " أيما امرأةٍ استعطرتْ ، وخرجتْ ليجدَ الرجالُ من ريحها فهي زانيةٌ " فنعوذ بالله - جل وعلا - من ذلك .
فلذلك على الرجالِ أنْ يتقوا الله في النساءِ ، وعلى النساءِ أن يتقين اللهَ - جل وعلا - في الرجال ، وعلى المرأةِ إذا خرجتْ أن تخرجَ بالثيابِ الشرعيِّ المرعيِّ ، وألا تخرجَ متبرجةً ، وألا تخرجَ متعطرةً ، ولا متطيبةً عما أمرَنا النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وفي الأعيادِ تخرجُ النساءُ يَشهدنَ الخيرَ ، ودعوةَ المسلمين حتى أمرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بإخراجِ العواتقِ ، وذواتِ الخدورِ ، والحُيَّضِ .
تخرجُ النساءُ والبناتُ يَشهدنَ التكبيرَ ، والخيرَ ، ودعوةَ المسلمين .
ومن ذلك تهنئةُ المسلمين بعضِهم لبعضٍ حتى كان سلفُنا الصا
لحون - رضوان الله عليهم - يقولُ بعضُهم لبعضٍ : " تقبل الله منا ومنكم " وهذا يكون مع الفرحةِ ، والبشاشةِ ، ومع التبسمِ " تَبَسُّمُك في وجهِ أخيك صدقةٌ " و" لا تحقرنّ من المعروفِ شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليقٍ "
ثم إذا أتى العبدُ المصلي مكبِّرًا ذاكرًا اللهَ - جل وعلا - فلا صلاةَ قبل العيدِ ، ولا بعدها ، وإنما من سنتِه أن يصليَ المرءُ ركعتين في بيتِه إذا عاد إلى بيتِه كما كان يصنعُ - صلى الله عليه وسلم - .
وصلاةُ العيدِ ركعتان يُكَبِّرُ في أولاهما سبعًا ، ويُكَبِّرُ في الثانيةِ خمسًا على الراجح .
ثم بعد ذلك يستمعُ الخطبةَ ويُنصِتُ لها ؛ تعبدًا لله - جل وعلا - .
يَتَعَبَّدُ لله - جل وعلا - بالتكبيرِ ، وبالذكرِ ، وبصفاءِ القلبِ ، وانشراحِ الصدرِ ، واستماعِ الخطبةِ والموعظةِ .
كُلُّ ذلك صدقةٌ منك تتصدقُ بها على نفسِك " كُلُّ معروفٍ صدقةٌ " كما قال محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - .
ولا تكونُ خطبةُ العيدِ في المسجدِ ولا تكونُ على المنبر . هذه سنةُ أحمدَ - صلى الله عليه وسلم - ثم يعودُ المرءُ من طريقٍ غيرِ الطريقِ لِيَشهدَ له الثقلان ، ولتشهدَ له الطرقُ ، ولتشهدَ له الجماداتُ .
كُلُّ ذلك يَشهدُ لك على سيرِك ، وعلى ذكرِك لله - سبحانه وتعالى - .
ثم من أرادَ أن يذبحَ فله أن يذبحَ يومَ النحرِ ، وهو أفضلُ شيءٍ ، وله أن يذبحَ ثانيَ أيامِ العيدِ ، أو ثالثَ أيامِ العيدِ ، أو رابعَ أيامِ العيدِ .
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أيامُ التشريقِ أيامُ ذبحٍ ، ونحرٍ " أو كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فمن لم يستطعْ أن يذبحَ أولَ يومٍ فليذبحْ في الثاني ، أو في الثالثِ ، أو في الرابعِ إلى آخرِ شمسِ أيامِ التشريقِ كما هي سنةُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - .
ومن ذَبَحَ أضحيةَ فلا يَبِعْ منها شيئًا لا لحمًا ، ولا جلدًا ، ولا عظمًا ، بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تُعْطِ الجازِرَ منها شيئًا ، نحن نُعطيه الثمنَ من عند أنفسِنا " .
فإن كان الجازرُ قريبًا ، أو كان فقيرًا ، فاجعلْه يذهبُ ثم أرسلْ أنت اللحمَ ، أو ما شئتَ إليه إلى دارِه كما تُرسلُ للفقراءِ ، أو إلى الأحبابِ الذين تُرسلُ إليهم .
أما أن يأخذَ هو بعد جزارتِه فهذا نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك نهى عن بيعِ الجلودِ فقال : " من باع جلدَ أضحيتِه فلا أضحيةَ له " .
وعلى المرءِ أن يُوسِّعَ على الأهلِ ، والعيالِ في النفقةِ كما مرّ معنا .
على المسلمِ أن يجتنبَ المعاصيَ ، والمحدثاتِ من تَبَرُّجِ النساءِ ،ومن الاختلاطِ ، ومن الموسيقى ، والمعازفِ ، والأغاني ، ومن المؤذياتِ كالألعابِ الناريةِ ، ومن البدعِ ، والضلالاتِ كزيارةِ القبورِ في أيامِ العيدِ ، وإظهارِ الحزنِ في أيامِ العيدِ مما يخالفُ شرعَ الله - سبحانه وتعالى - .
إنّ المُتأمِّلَ في العيدِ يجدُه عبادةً من فرحةٍ ، وسعادةٍ ، وذكرٍ لله ، وتوحيدٍ ، وصلاةٍ ، وخطبةٍ ، وصدقةٍ ، وتأتي بعد صيامٍ أو تأتي بعد حجٍّ .
فهذه أركانُ الإسلامِ الخمسُ : توحيدٌ ، وصلاةٌ ، وصدقةٌ ، وصيامٌ ، وحجٌّ "بني الإسلامُ على خمسٍ : شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله - هذا التوحيدُ والمتابعةُ - ، وإقامِ الصلاةِ ، وإيتاءِ الزكاةِ ، وصومِ رمضانَ ، وحجِّ البيتِ " .
عيدُ الفطرِ بعد صومِ رمضانَ ، وعيدُ النحرِ بعد الحجِّ الأكبرِ ، وصيامِ العشرِ من ذي الحجةِ .
انظرْ إلى هذه الاحتفالاتِ بالعبادةِ لله - سبحانه وتعالى - .
واعلمْ أن الصدقةَ أعمُّ من النفقةِ ، فيتصدقُ المرءُ بتكبيرٍ ، وبتحميدٍ ، وبتهليل ٍ، وبتسبيح ٍ
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كُلُّ تسبيحةٍ صدقةُ ، كُلُّ تحميدةٍ صدقةٌ ، كُلُّ تكبيرةٍ صدقةٌ ، كُلُّ تهليلةٍ صدقةٌ " والتهليلةُ قولُ لا إله إلا الله .
بل إنك عندما تلقى أخاك بوجهٍ طليقٍ صدقةٌ عليك ، والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ أيضاً ، وأمرٌ بمعروفٍ صدقةٌ ، ونهيٌ عن منكرٍ صدقةٌ .
ولا يَهلِكُ على الله إلا هالكٌ !
هذه الأركانُ الخمسُ في العيدِ وحده فضلًا عما فيه من بَرٍّ ، وصلةٍ ، وأخلاق ٍ، ومعاملةٍ ، وألفةٍ ، واجتماعٍ ، وفسحةٍ ، واتساعٍ ؛
فلك الحمدُ وحدك ، ليس شيءٌ كمثلِه ، وأفضلُ صلواتِه ، وتسليماتِه على عبدِه ، وسيدِ رسلِه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - .
وأخيرًا ففي مثل هذا اليومِ قال النبي : صلى الله عليه وسلم - : " قد اجتمعَ في يومِكم هذا عيدان ، فمن شاء أن يأتيَ الجمعةَ فليأتها ، ومن لم يشأْ أجزأته من الجمعة .
أُذَكِّرُ هاهنا بأنّ البعضَ يَرْكَنُ إلى بيتِه ، فلا أنه أتى الجمعةَ ، ولا أنه صلى الظهرَ .
يا عبدَالله من شهدَ العيدَ رُخِّصَ له في عدمِ شهودِ الجمعةِ ، لكن لا تَسقطُ عنه الفريضة بحال .
إما أن يأتيَ الجمعةَ - وهو خير له وأبقى عند الله جل وعلا - ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" وإنّا لَمُجَمِّعونَ " .
وله رخصةٌ أن يصليَ الظهرَ في بيتِه ، وأنّ من لا يصلي لا جمعةً ،
ولا ظهرًا فقد خالفَ مرادَ الشارعِ ، وخالفَ سنةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - .
نسألُ الله َ - عز وجل - أن يُمَسِّكَنا بسنتِه ، وأن يُحيَيَنا على سنتِه ، وأن يتوفانا على سنتِه ، ونسألُه - سبحانه - التسديدَ ، والتأييدَ بفضلِه ، ومنتِه .
وصلى الله على النبي المصطفى ، والحمد لله رب العالمين .
======>
جزى الله خيرا من فرغها ،وزاده الله من فضله!.